مقالات

🔻 قراءة لكتاب “دين ضد الدين” لكاتبه المفكر علي شريعتي على ضوء حرب إيران مع الكيان الصهيوني

ريان الهادي

يشكل كتاب “دين ضد دين” للدكتور علي شريعتي واحداً من أبرز الأعمال الفكرية التي قدمت قراءة نقدية إجتماعية وسياسية للدين في سياق التاريخ الإسلامي والإنساني عموماً؛ فقد وضعنا شريعتي أمام ثنائية مركزية لا يقدم فيها الدين من زاوية روحية فقط وإنما يقدم كميدان للصراع التاريخي، والأهم: كـ”ساحة للمواجهة الإجتماعية والسياسية”.
ويؤكد أن الصراع الديني الحقيقي لم يكن يومًا بين المؤمنين والملحدين وإنما بين:
دين الله، دين التوحيد، التحرر، والعدالة،ودين الطاغوت، دين التبرير، التخدير، والتسلط بإسم الدين.
شريعتي يقول بوضوح: لم يكن الصراع بين الإيمان والكفر ولكنهُ بين إيمانَين أحدهما يحرر، والآخر يقيد.ويستعرض ذلك عبر التاريخ بدءاً من:
قابيل وهابيل (صراع حول موقف أخلاقي لا مادي)،ثم في إبراهيم والنمرود، موسى وفرعون، عيسى وقيافا، ومحمد وأبي جهل.
كل هذه المواجهات تمثل صراعاً بين أنبياء جاؤوا برسالة السماء، وكهنة وسلاطين أرادوا إحتكار الدين لخدمة سلطتهم.
مع إسقاط على واقع إيران المعاصر (الثورة الإسلامية كنموذج للدين الرسالي):
الثورة الإيرانية عام 1979 بقيادة الإمام الخميني، وبتأثير فكري واضح من شريعتي نفسه ليست فقط حدثًاً سياسياً ولكن تجسيداً لفكرة “دين التوحيد”.
رفعت الثورة شعار: “لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية” رافضة الهيمنة الغربية والإشتراكية الشرقية على السواء.
جاءت كإمتداد لحركات الأنبياء في التاريخ، من إبراهيم إلى محمد حيث ربطت الدين بالعدالة الإجتماعية والكرامة الوطنية والسيادة و رفضت الثورة أن يكون الدين مجرد طقوس وأرادته أداة لتحرير الإنسان والمجتمع.
شريعتي كان يرى في الإسلام وسيلة لمواجهة الظلم لا لتبريره والثورة الإسلامية تبنّت هذا الموقف:
دعمت حركات التحرر، خاصة في فلسطين ولبنان.
ساندت المستضعفين، ووقفت ضد التطبيع والمساومات السياسية على حساب الكرامة.
ورغم أن شريعتي توفى قبيل إنتصار الثورة فإن أفكاره كانت الوقود النظري لها فقد أعاد ربط الإسلام بمسؤولياته الاجتماعية والسياسية لا فقط الطقوسية.

▪︎ إسقاط الصراع على الواقع الإسرائيلي:
في المقابل نجد في الكيان الصهيوني ما يمكن تسميته حسب شريعتي بـ “دين الجبت والطاغوت”.
إسرائيل كنموذج للدين التبريري:
تستخدم الصهيونية الدين اليهودي لتبرير إحتلال أرض ليست لهم وإقامة “دولة لليهود فقط” في قلب العالم الإسلامي.
تستند إلى “وعد الرب” في تسويغ القتل والتطهير العرقي والتمييز العنصري وتدمر وتقتل وتشرد ومع ذلك تقول: “هكذا يريد الرب”
هنا يتجلى ما وصفه شريعتي بدقة:
الطاغوت لا يحارب الدين، بل يستخدمه يلبسه عباءة الشرعية، ويضع على رأسه تاج القداسة.
فالدين في يد الكيان الصهيوني أصبح أداة إستعمارية لا رسالة إنسانية؛ وما يحدث اليوم في غزة يُظهر التجسيد العياني لفكرة “دين ضد دين”.
المقاوم الفلسطيني الذي يحمل حجراً أو صاروخاً بدائياً في وجه جيش مدجج بالسلاح يمثل دين إبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد.
أما الجنود الصهاينة الذين يقتلون النساء والأطفال تحت ستار “الدفاع المقدس عن الدولة اليهودية” فهم رمز لدين الطاغوت الذي تحدث عنه شريعتي.
شريعتي يقول: إذا كان الله مع المظلوم فلا يمكن أن يكون الدين مع الظالم.
وهذا ما نراه:
الدين في غزة يحض الناس على الصمود والمقاومة.
والدين في تل أبيب يُستخدم لتبرير مجازر إنسانية.
_ما يُلاحظ في الشارع الإيراني أن روح شريعتي لا تزال حيّة رغم تعقيدات الدولة والسلطة:
لا تزال الشعارات الشعبية تقول: “الموت لأمريكا” و”الموت لإسرائيل”، لا عن كراهية ولكن عن وعي سياسي بمركزية الاستكبار في قهر الشعوب؛ التفاعل الجماهيري مع القضية الفلسطينية والوقوف المستمر مع غزة يعكس جذور الإيمان التحرري الثوري الذي نادى به شريعتي.

▪︎ الدين ليس حياديًا في الصراع ؛ إما أن يكون الدين في صف المستضعفين وهذا هو “دين الله”،أو في صف الظالمين وهذا هو “دين الجبت والطاغوت”.
وإيران رغم تعقيداتها ألا انها تظل نموذجاً للدين المقاوم في حين يبقى الكيان الصهيوني أبرز النماذج لتوظيف الدين لتبرير الطغيان.

▪︎من أقوال علي شريعتي:

عندما يتحالف رجل الدين مع البلاط، فإنه يكفّ عن أن يكون وارثاً للأنبياء، ويصبح إمتداداً لفرعون.

الدين الحقيقي يُزعج الظالم، أما الدين الزائف فيُرضيه.

الخلاصة: الصراع الأساسي في تاريخ الأديان هو بين دين يحرر الإنسان ودين يُخضعه.
الدين الأصيل عند شريعتي هو حركة مقاومة ضد كل أشكال الظلم لا نظاماً طقوسيًا معزول.
كل قراءة للدين تُغفل العدالة والكرامة والتحرر، هي قراءة زائفة، حتى وإن استندت للنصوص.

▪︎ توصيات مستخلصة من الكتاب:

1/ نزع القداسة عن كل سلطة توظف الدين لقهر الناس.
2_إعادة قراءة الدين من منظور المستضعفين لا من منظور الطغاة.
3/ دعم المقاومة أينما وُجدت فهي امتداد للرسالات السماوية.

4/ الحذر من تحويل الدين إلى طقوس ومؤسسات تخدم الواقع بدل تغييره.

4/ ضرورة نقد الدين التاريخي والمؤسسات الدينية المرتبطة بالسلطة.
5/ التمييز بين الجوهر الرسالي للدين وبين المظهر الثقافي أو الطبقي له.
6/ الدعوة إلى تجديد فهم الدين ضمن أفق المقاومة والعدالة.

  • ختاماً:
    كتاب “دين ضد دين” هو صرخة في وجه الزيف المقدس ومحاولة لإسترداد الدين من يد من جعلوه أداة خنوع بدل أن يكون أداة نهضة وايضًا هو نداء صريح لكل من يريد أن يوحد بين الإيمان والكرامة بين العبادة والعدالة بين السماء والأرض.

“الدين الذي لا يُحطم الأصنام الجديدة، هو وثنية مغلفة بآيات.”

-ريان الهادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
arالعربية